هل أصبحت مياه النيل خطراً على صحّة المصريّين؟

هل أصبحت مياه النيل خطراً على صحّة المصريّين؟

القاهرة – مع الزخم الإعلاميّ والسياسيّ الذي تشهده مصر من النزاع مع دول منابع النيل من أجل تأمين وصول حصّتها السنويّة من مياه النهر، لا يزال ملفّ تلوّث النيل في مصر القضيّة المعلّقة التي تحظى باهتمام موقّت، عند ظهور حالات من التسمّم بسبب المياه أو إلقاء مخلّفات خطرة في النهر. ثمّ ينتهي الجدل بتطمين الحكومة للرأي العام والتأكيد على أنّ المياه آمنة وصالحة للاستخدام الأدميّ من دون سياسات جادّة لحلّ الأزمة.

وكانت القضيّة التي أثارت تخوّفات الرأي العام المصريّ منذ 22 نيسان/أبريل الماضي، هي غرق صندل محمّل بـ500 طنّ من الفوسفات في النيل، ومرور أكثر من أسبوعين في محاولات قامت بها القوّات المسلّحة لرفع الصندل الغارق وانتشال الفوسفات من النيل. وفق تصريح وزير الري حسام مغازي، أزالوا الكمية كلها ولكن قد يكون هناك بعض الرواسب غير المعدية وغير المضرّة. لكنّها لم تكن الحادثة الأولى، حيث سبق وسجّلت وزارة البيئة العديد من حوادث تلوّث مياه النيل بداية من تسرّب مياه الصرف الصحيّ في المنطقة بين السدّ العالي وخزّان أسوان، وإلقاء حيوانات نافقة ومخلّفات المصانع الصلبة في النهر، مباشرة من دون معالجة.

ومع كثرة أشكال التلوّث في مجرى النيل في مصر من أسوان حتّى فرعيه في دمياط ورشيد، إلّا أنّ الأجهزة المعنيّة في ملفّ مياه النيل في مصر لا تمتلك دراسة شاملة عن نوعيّة المياه في النهر، سوى بعض التقارير عن حالات من التلوّث وتدهور نوعيّة المياه في أماكن محدّدة في المحافظات الجنوبية.

وعلى الرغم من تشكيل لجنة عليا تتبع رئيس الوزراء لشؤون مياه النيل في عهد مبارك، والوقوف على تدابير حماية النهر من التعدّيات والتلوّث، إلّا أنّ المسؤوليّة المباشرة على إدارة مياه نهر النيل في مصر لا تزال مشتّتة بين وزارتي الزراعة والريّ المسؤولتين عن توزيع المياه وتأمين وصولها إلى الأراضي والتعامل مع مياه الصرف الزراعيّ، والتي تلقى غالباً مباشرة محمّلة بالمبيدات في النهر، ووزارة الإسكان والمرافق والمسؤولة عن نقل المياه إلى محطّات الشرب والصرف، ووزارة البيئة التي تراقب جودة المياه في النهر.

وقد تحدّث الباحث في ملفّ نوعيّة المياه في جامعة إيسن الألمانيّة كريم خالد، لـ”المونيتور” عن مشكلة جودة المياه ونوعيّتها في مصر، موضحاً: “عدم وجود جهاز إداريّ واحد مسؤول عن إدارة المياه وتحسين جودتها منذ دخولها في مجرى النهر من السدّ العالي حتّى وصولها إلى المواطن في المنازل، هي سبب مشكلة تلوّث المياه في مصر”. ويضيف خالد: “لا نزال في حاجة إلى توصيف دقيق وعلميّ لحالة المياه ونوعيّتها في نهر النيل، ومعرفة كمّ الملوّثات التي تختلط بمياه النهر”. وتابع: “يتعرّض النهر إلى أشكال التلوّث كافّة، أخطرها صرف مخلّفات المصانع الصلبة من دون الالتزام بالمعالجة، وهو ما يتسبّب دائماً قي تراكم المعادن والعناصر الثقيلة وترسّبها في الأحياء المائيّة ومياه الشرب التي تنتج عنها مشاكل صحيّة عدّة”.

وحسب دراسات أجراها، يوضح خالد: “مناطق الدلتا هي الأخطر في نسب التلوّث المتراكمة والتي تتركّز عليها كثافات سكّانيّة عالية، وتزيد نسب الصرف الصحّي بسبب ضعف خدمات الصرف الصحّي وانعدامها في أغلب القرى في الدلتا، وريّ الزراعات بها مباشرة من دون تنقية، وهو ما يثير خطراً آخر يتعلّق بمدى جودة المنتجات الزراعيّة المرويّة بالمياه الملوّثة”

وعلى الرغم من إعلان المسؤولين عن مياه الشرب في مصر أنّ المياه آمنة وصالحة للاستخدام الأدميّ، ولا تتسبّب في تأثيرات ضارّة على الصحّة، وتأكيد تصريحاتهم بنتائج تحاليل عيّنات من المياه من مخارج محطّات الشرب، إلّا أنّه في الوقت نفسه، لا تزال تقارير إعلاميّة تشير إلى استمرار الإصابات بالتسمّم نتيجة تلوّث مياه الشرب.

ويوضح خالد قائلاً: “تؤخذ عيّنات المياه التي يتمّ تحليلها على الأغلب من مخارج محطّات المياه مباشرة، لكنّ تلوّث المياه قد يكون خلال توصيلها إلى المنازل بسبب تدهور شبكات نقل المياه وتلوّث محطّات الرفع”، لافتاً إلى أنّ “بعض محطّات الشرب تلجأ إلى وضع مادّة الكلورين في المياه للقضاء على البكتريا الضارّة، إلّا أنّ هذا الإجراء يتسبّب أيضاً في مشاكل صحيّة”.

ولم تقف المؤشّرات الخطيرة لتدهور نوعيّة المياه بتأثيرها السلبيّ على صحّة المواطنين، لكنّ حوادث أخرى تتعلّق بنفوق مفاجئ لكميّات كبيرة من الأسماك بسبب نسبة عالية من الأمونيا والرصاص والموادّ الصلبة التي تصيب الأسماك بالتسمّم، كما حدث في شهر كانون الثاني/يناير الماضي في فرع رشيد.

وأكّد وزير البيئة خالد فهمي، في حديث إلى “المونيتور”، قائلاً: “الحكومة في صدد اتّخاذ ضوابط صارمة وتوقيع عقوبات لمنع إلقاء أيّ موادّ خطرة وملوّثة في مياه النيل أو تسربّها”، مضيفاً: “مياه النيل آمنة تماماً وهناك لجان تفتيش دوريّة على المصانع والمصارف للتأكّد من معالجة المياه قبل إلقائها في النهر”. ويوضح فهمي: “بدأنا في اتّخاذ إجراءات لمراجعة منظومة النقل النهريّ، وتحديد الموادّ الخطرة التي لا يمكن نقلها عبر النهر”.

ويضيف وزير البيئة: “لا يعني إلقاء المخلّفات في النهر أنّ مياهه أصبحت سامّة “، مبرراً حديثه بالقول: “لا تنتقل المخلّفات التي تلقى من المصانع في نهر النيل مباشرة إلى محطّات مياه الشرب، والنيل لديه قدرة على تشتيت الملوّثات”. لكنّ فهمي اعترف في حديثه أنّ “مشكلة تلوّث مياه النيل لا تزال مشكلة معقّدة ومتراكمة منذ 30 سنة، والدولة تحاول إيجاد حلول لتحسين جودة المياه في النهر”.

ويظلّ ملفّ تلوّث المياه عالقا ًفي وقت لا تتمتّع مصر برفاهيّة توافر الموراد المائيّة، حيث تشير التقارير الفنيّة إلى أنّ مصر قد تتحوّل إلى دولة شحيحة المياه في حلول عام 2025 ، خصوصاً وأنّها تستهلك 127% من مواردها المائيّة، أي تستورد 27% من المياه من خلال استيراد موادّ غذائيّة رئيسيّة، مع وجود ضغوط عدّة تتمثّل في الكثافة السكانيّة وشبكة أنابيب المياه المتهالكة التي تهدر وحدها 35% من المياه سنويّاً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *